بلال حسن التل
عندما يتصدرالجيش، والقوى الاجتماعية الأصيلة، والقطاع العام، والإدارة العريقة، المشهد بقيادة جلالة الملك لحماية الدولة الأردنية التي تحتفل بعد أشهر بمؤيتها الاولى فإن ذلك يؤكد أن لهذه الدولة مصادر مناعة ذاتيه تعمل عند الضرورة، كما إن لهذه الدولة مزايا تجعلها مختلفة عن كل دول العالم، ذلك أنها دولة لا تملك إمكانيات مادية ضخمة، تمكنها من تحقيق التقدم والازدهار لمواطنيها، كما انها لاتملك ثروات مالية ضخمة تستخدمها للتأثير على الآخرين، في زمن صار فيه المال عنصر القوة الرئيس للدول والافراد، ومع ذلك حققت تقدما وازدهارا لمواطنيها فاق ما حققتة دول تملك أضعافا مضاعفة مما تملكه الدولة الأردنية من ثروات مالية، كما ان للأردن الدولة تأثيرا يفوق تأثير دول اغنى من الدولة الأردنية بكثير فما السر وراء ذلك؟
ان التدقيق في تصرفات وإجراءات الدولة الأردنية خلال جائحة فيروس كورونا يكشف لنا سر هذه الدولة، ومصادر مناعتها وقوتها الحقيقية، ففي مواجهة هذه الجائحة استعادت دولتنا ذاتها واستردت جوهرها كدولة رسالة ودور، عندما تخذت قيادتها قرارها بلا تردد(الإنسان أغلى ما نملك )، ضاربة عرض الحائط بكل معادلات الربح والخسارة، فما قيمة كل ثروات الدنيا مع المرض، ومع شوارع مكتظة بالجثث او بالحاقدين على من فضل ثروته على سلامتهم وحياة احبائهم، كما جري ويجري في دول كانت مصنفة على إنها عظمى، فصار الواحد من رعاياها يقتل من أجل وجبة طعام، بينما الأردني يجلس أمنا في بيته ، يحميه جيش يصنع الحياة ويحميها لإنه جيش دولة رسالة ثورة قامت بها لتحرير الإنسان وصون كرامته.
نعم في لحظة الشدة استردت الدولة الأردنية ذاتها ورسالتها وعناصر قوتها الأساسية و في مقدمتها قواتها المسلحة واجهزتها
الأمنية التي تربت على مبدأ (الإنسان أغلى ما نملك) وإن مهمتها الأساسية حمايته وصون كرامته، حتى وهو في لحظة غضب واحتجاج، فإنها تهدئ غضبه بباقة ورد وشربة ماء عذبة، لانهما الجندي والمواطن من نفس البيئة الاجتماعبة، التي بايعت ال هاشم على بناء الأردن دولة رسالة، لذلك لا غرابة في إن يلتف الأردنيون في لحظة الشدة حول دولتهم و قيادتهم، لينتصرالوطن بعناصر قوته الذاتية: قيادة وقوة اجتماعية اصيلة، خرجت من رحمها قوات مسلحة وأجهزة أمنية، صارت مصدر أمن وأمان لاهلها، وفي لحظة الشدة استعادت دولتنا ايضا مفاهيم إدارتها العريقة التي انضجتها التجربة الوطنية الأردنية، التي قامت على قيم الأردنيين من انضباط وإتقان. فكشفت الشدة زيف ما عدا ذلك من نظريات التحديث المفتعلة. فصار بعض التكنوقراط عبئا عليه، وتوارى أدعياء الليبرالية عن الأنظار. مثلما توراى سماسرة القطاع الخاص خوفا على أموالهم، وظل القطاع العام قلب الوطن النابض بالحياة، وظل ما في جيوب أبنائه على ندرته يرفد خزان الدولة بمداد الحياة.
خلاصة القول في هذه القضية: إن الدولة الأردنية رفضت في لحظة الشدة رداء الشركة التي تغلق أبواب صرفها وتستغني عن موظفيها خوفا على أرباحها، وهو الرداء الذي حاول البعض أن يلبسه لدولتنا، لكنها تمسكت بعباءة الدولة التي تخاف على ابنائها فترعاهم.
لذلك نقول :ان فيروس كورونا كان في بعض اوجهه منحة، مكنتنا من أن نستعيد ذاتنا، وعناصر مناعتنا وقوتنا الذاتية، فلنحافظ عليها، ولننميها ولنحذر، فالقوى التي تعاملت مع الدولة كشركة كمنت خوفا على مكسبها، لكن زيفها انكشف فلنعمل على ابقائها مختبئة ولنظل ملتفين حول وطننا وقيادتنا التفاف السوار حول المعصم.